منذ تربعكم على قيادة الأركان العامة للجيوش ، ونحن نسمع عنكم في كافة
المجالس العامة والخاصة ما تطمئن إليه القلوب ، وماتبحث عنه الأمم والشعوب
من أمانة وكفاءة ومهنية ونزاهة وشفافية ، وفطنة وذكاء وصرامة في العمل ،
ولكن دون أن نشاهد ذلك تجسيدا على أرض الواقع ، ولم نر له ترجمة فعلية
واضحة على تلك القيادة ، ولا حتى ظهورا إعلاميا على غرار ما تعودنا عليه من
ثرثرة للجنرالات ، وممارسة للسياسة في انتهاك صارخ للقانون ، وهي لعمري
خصلة تحسب لكم ؛ مماجعلنا نشرئب ونتطلع طيلة تلك الفترة إلى ظهوركم ،
وتقدمكم أمام رجال الشأن العام ، ولا زلنا في انتظار ذلك حتى شاءت الأقدار
إعلانكم ورغبتكم في الترشح لرئاسة الجمهورية ، ولنيل ثقة الشعب الموريتاني ،
وكانت تلك الدعوة لقيت قبولا منقطع النظير ، وتلبية حقيقة في نفوس هذا
الشعب المطحون أملا منه في وجود من ينسيه ألم العشرية الماضية، ومعاناتها
البائسة .
وقد تجسد العمل على تلبية تلك الدعوة من جميع الطيف السياسي ؛
بل من كافة الشعب الموريتاني معارضة وموالاة ، وهو ما ظهر فعليا من خلال
نتائج الانتخابات الأخيرة .
الأمر الذي جعل الكل يحلم ويتفاءل ببزوغ
عهد جديد يحتضن الجميع ، و يرى فيه الكل ذاته ، انسجاما مع مبدأ الوحدة
الوطنية ، وعملا بنظرية التلاحم الاجتماعي ، وتطبيقا لقاعدة تكافؤ الفرص ،
وإقامة العدل و المساواة على أن يتم تدشين ذلك العمل بضمان وجود شراكة
حقيقة ، وانفتاح فعلي يحقق النقصود ، ويلبي الطموح بين الفرقاء السياسيين ،
والفئات والشرائح من مختلف أبناء وطننا الغالي .
وقد حرصتم على
الالتزام بذلك في برنامكم الطموح ، وخطاباتكم الرنانة قبل الحملة وأثناءها ،
وبعد التنصيب ، وقلتم بأنكم رئيسا للجميع .
مما جعل الأمل يتنامى ، ويزداد فيكم يوما بعد يوم .
سيدي الرئيس الآن الشعب يتطلع إلى مستقبل مشرق، وعهد جديد تصالحي، ولا يخفى أن أول مظهر من مظاهر ذلك كان ينبغي أن يتجسد واقعيا في تشكيلة حكومتكم الموقرة ، والأهم في ذلك هو فتح الفرص أمام كفاءات جديدة من أبناء وطننا الغالي تعكس الشعب بجميع أطيافه وفئاته وشرائحه – وهو ما تحقق نسبيا – و لم تخدم إطلاقا مع الحكومات المتعاقبة – وقد انخرم هذ المطلب ، أو لم يطرد كليا – فلا معنى حقيقة لمن يمثل إصلاحا جديا ، ويريد تأسيسا لنهضة جديدة أن يتكئ في ذلك على أشخاص فاسدين كانوا قبله ، ولهم ملفات خطيرة ، وولاءات متأصلة لمن سبقه نتيجة الحفاظ على ممتلكاتهم ، وبغية حمايتهم من المساءلة القضائية ، وبهدف التستر على فضائح مالية كبيرة .
ولكن بعد خروج التشكيلة التي تضمنت أوجها عزيزية مازالت عصية على
التغيير رغم كونها مستقبحة عند الأكثر ، ومرضية عند البعض الآخر، فقد خاب
الأمل مبدئيا ، وتراجع التفاؤل واقعيا ، وتأكد استمرار نهج عشرية الجفاف
والسواد مشاهدة .
ورغم أننا مازلنا متفائلين، ومتفهمين أيضا للإكراهات التي ربما عانيتموها
أثناء عملكم لتك التشكيلة ، فلايخفى أن تعيينكم لبعض وزراء الرئيس السابق
نتيجة تعهدات سابقة ، والتزامات قطعتموها على أنفسكم أثناء الحملة مثل
تعهداتكم للشعب الموريتاني بتطبيق برنامجكم الكفيل بإحداث نقلة نوعية ،
ونهضة تنموية للبلد ستنتشلونه بها من الحالة المزرية ، و الوضع البائس ،
والواقع الكارثي الذي يعانيه على جميع الأصعدة والمستويات والميادين !
وإذا كان الأمر كذلك فالوفاء بالتعهدات مهما كان نوعها أمر ضروري ، ومطلب
جوهري، ومن خلاله يتجسد صدق نية الملتزم ، أو عدمه، وبه يحصل الفرق بين من
يفهم ماهية العهد وحقيقته ومفهومه ، ومن لا يتصور ذلك على الحقيقة، ولا
يدرك معناه !!
ومن هنا فينبغي تجاوز إشكالية ماهية الحكومة، وجعل التركيز والنظر منصبا على العمل الجاد والدؤوب .
والتقويم الدقيق لذلك لايمكن أن يتجلى إلا بعد مرور سنة على عمل تلك
الحكومة ، فيصعب عليها الإتيان بنتيجة سلبية أو إيجابية تمكن من الحكم
عليها فشلا أو نجاحا ؛ أما غير ذلك فهو مجرد أحكام مسبقة ، وقرارات جاهزة
لا تتسم بالموضوعية والإنصاف !
وأكثر مايمكن أن يقال عن تلك الحكومة أنها جاءت دون المطلوب والمتوقع
والمظنون ، وفوق الأسوإ ، والأقبح ، فكانت مستوية الطرفين بين الأفضل
والأردأ ؛ لأن الأفضل منها متاح تأكيدا ، والأردأ موجود يقينا ؛ إلا أنها
مع ذلك تتميزت بعدة خصائص ومميزات كان لفخامة الرئيس فيها مزية السبق ،
وبراعة الاختراع ، وكان من أهمها مثالا لاحصرا :
1 – وجود أوجه تكنوقراطية في أول تشكيلة له ، غير مأخوذة على معايير سياسية أوقبلية .
2 تمثيل شريحة لحراطين بنسبة أكثر مما كان يقع في السابق.
3 أن هناك وزارء لم نسمع عنهم من قبل، وتلك مظنة لنظافتهم من المال العام ، وعدم فسادهم، وتلك خطوة مهمة
4 أن الحكومة لم تشكل اعتباطيا ؛ بل تمت تشكلتها بعد دراسات عميقة ،
ومباحثات ومشاورات كلفت وقتا طويلا ، ومناسب أن يكون ذلك من أجل التحري
وبغية الدقة.
5 الغالبية العظمى من وزرائه ، – وخصوصا الوزارات التي تعاني من الاختلال
الجوهري – راعى فيهم بصرامة احترام التخصص ، وهي مسألة لم تراع في الماضي
بتلك النموذجية .
6 والأهم من تلك المميزات أن حكومته – إلى حد ما – شكلت ثورة فعلية
انتقامية على ممثلي المد التصفيقي ، والنفوذ القبلي ، والجهوي ، بدل
تشجيعهم ومكافأتهم على ماقدموا له تزلفا ونفاقا .
وهناك العديد من المؤشرات توحي بأن البلد دخل مرحلة جديدة ، والوضع سيتغير
بجهود فخامة الرئيس وببصمته الخاصة ، خلافا لما يروج له دعاة المأمورية
الثالثة ، وحراس استمرار نهج الرئيس السابق ، وما هراء نواب upr وبعض أطره،
وزرائه السابقين ، وامتعاضهم من الحكومة الجديدة عنا ببعيد . وما خطاب
الرئيس في أعقاب مجلس الوزراء بأن دهر التوجيهات النيرة انتهى وولى إلا
خطوة في الاتجاه الصحيح ، ومطلب جوهري منتظر .
و في البداية تذكروا جيدا يافخامة الرئيس غزواني أنكم آخر بصيص أمل للشعب فلا تخيبوه ، مثلما فعل الرئيس السابق من قبل ، فقد خيب الآمال ، ودفن التفاؤل ، ووأد الطموح بعد ارتياح الشعب لخطابه الشهير ” أول مايخطر على بالي هو الأوضاع المزرية لآلاف الفقراء والمحرومين الذين يعلقون آمالا جسيمة على برنامجي … ” فقد وعد الشعب الموريتاني بالكثير لكنه أجهض ذلك الأمل في مراحله الأولى ، ووأد الطموح قبل أن يستهل صارخا ، و سرعان ما أخلف وعده ، وتنكر لهذا الشعب المطحون ، حيث بدد ثروات البلد ونهبها ، هو وأقاربه وسماسرته ، وأفلس الشركات ، وأنهك الدولة بالديون ، وتدهور التعليم ، والصحة ، والأمن إن لم تكن الثلاثة انعدمت بالماضي ، وارتفعت الأسعار ، واستفحلت البطالة في صفوف أبناء شعبنا العزيز إلى غير ذلك من المساوئ التي لاتحصى ، والكوارث التى لاتعد .
وحتى تمثل نهضة حقيقة وواقعية عليك أن تعمل على القطيعة التامة مع مسار
ونهج الرئيس السابق ، وأن تعمل جاهدا على التطبيق الفعلي لبرنامجكم
المتكامل.
وأنجع وسيلة لذلك هو إعطاء الوزراء صلاحيات واسعة ؛ بل عليكم أن تطلقوا لهم
كامل التصرف والعنان في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية والإصلاحية ؛ وفي
المقابل عليكم بالرقابة والتقييم ، والمحاسبة العسيرة قبل التنفيذ وأثناءه
وبعده.
محمد الامين باباه ديداه