صداقنا بالصين ظلت قوية متينة تعززها الهبات و المنشآت التي نبتت في أرجاء بلادنا منذ التأسيس .. موانئ و مستشفيات و فرق طبية ظلت وما تزال تقدم خدمات لم تشترطها بمواقف، ولم تنغصها بتدخلات في الشأن الداخلي، و سأركز في عجالتي هذه على الجانب الصحي فكم يعز على الحصر أن تعدد كم استشارة مجانية قدمها الأطباء والفنيون الصينيون في مستشفيي كيفة و سيليبابي و كم عملية جراحية في مختلف التخصصات الطبية ، تعزز ذلك أطنان الأدوية الصينية المجانية والتي ارتبطت بالذاكرة الوطنية و حجزت لها مكانا في الأمثال الشعبية “حب الصين : حب الصبح وحب الكايلة وحب الدحميس” هي حبوب على بساطتها لم يطلها ما طال بضاعة تجار الموت من موردي الأدوية المزورة من فوضوية ولامبلات، واتسم طبيبها بالتواضع في ملبسه و مأكله و تعاطيه مع مريضه و مهنيته العالية عكس ما اتسم به أبناء جلدتنا ممن صرفت عليهم البلاد دم المهج، فرجعوا ملوكا ينعزلون في أبراجهم العاجية يمضون الوقت في عياداتهم الخاصة التي لا تتاح الا لعلية القوم و أصحاب الثراء. ليعودوا مساء بجيوب متخمة و قلوب اعماها الطمع و أفئدة من الضمير خواء.
تذكرت كل ذلك و أنا عائد من ليلة تترك ليلة شاعرنا عند الدرك الى السياحة اقرب الى ليلة موقوف ، ليلتي بمستشفى “الصفاقة ” نكبات و حسرات في كل محطاتها ومراحلها، بدأت بالحارس الذي وجدت صعوبة في اقناعه بحاجة الصغير المختنقة بفعل نوبة ربو شديدة الى دفئ السيارة ، ليقنعني بأن تعليمات الإدارة تفوق حياة الأفراد أهمية ولم يكن الظرف يسمح بالجدال وإضاعة الوقت في تعليم الحارس الجلف أدبيات فشلت المؤسسة العسكرية في غرسها فيه فلفظته لتلتقطه شهية الشركات الأمنية النهمة فساهم أجره المتقطع في ما تأصل فيه من سماجة و تعجرف ركنت سيارتي حيث أشار و ترجلت مسرعا الى قسم الأطفال فلم يكن أقل صفاقة من قسم الحراسة فبصعوبة لفت انتباه الممرضة المنشغلة بالرد على رسائل هاتفها والتفاعل مع عالمها الافتراضي فالقمت الصغير مقياس الحرارة وأشارت –وهي ترد على رسالة صوتية بأخرى –بيدها أن ضع حملك على ميزان مهترئ أمامها فلم أجد بدا من تدوين النتائج غير الدقيقة للوزن والحرارة لأنتظر في ذيل ثعبان طويل يبدأ عند باب الطبيب المداوم و ينتهي بباب قسم الولادة ، امضيت زهاء نصف الساعة و أنا أتململ في مكاني دون أن أرى دبيب حياة في الثعبان الرابض وسط سكون لا يكسره الا رسائل الممرضة المنشغلة أو سعال وبكاء متقطع من أطفال انهكتهم نزلات البرد و آباء أضجرهم طول الانتظار، دلفت الى باب الطبيب لعلي الفت كريم انتباهه لأتفاجأ أن لاحد في المكتب عدت الممرضة اللاهية فأجابت -دون أن ترفع بصرها عن هاتفها “الغبي”- ناحية الباب الخارجي وتطوع آخران للبحث معي عن الطبيب لنعثر عليه بعد بحث مضني وقد اسند ظهره على سيارة بباب بيت الرحمة يستمع بتدخين سيجار و حديث هاتفي حميم . ليرد ردا أكثر صفاقة من الحارس و الممرضة اللاهية : من لم يسعه الانتظار فليبحث عن مستشفى آخر وعاد الى حديثه الهاتفي الناعم فعدت أدراجي افكر في البدائل المتاحة على قلتها … لأيمم وجهي شطر اسطبل الشيخ زايد وتلك قصة أخرى سأعرض في عجالتي التالية