إن إعلان وزارة التنمية الريفية عن خطة لزراعة 2700 هكتار بالخضروات يبشر بأن السلطات العليا في البلد، بدأت تفكر جديا في وضع الحلول الجذرية للمشاكل المزمنة بدل الاجراءات الترقيعية المكلفة التي طالما شكلت مصدر خجل لكل غيور على مستقبل البلد وأهله. وكانت بداية التجسيد الفعلي لتعدات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في النهوض بالقطاع وممتهنيه ودليل قطعي على إرادة وزير التنمية الريفية السيد أدي ولد الزين القوية في تنفيذ البرامج الطموحة والسهر على ذلك حتى خارج اوقات الدوام
إن قرار إنتاج حاجة البلد من الخضروات محليا، هو قرار استيراتيجي سينعكس إيجابا على الأمن الغذائي والصحي للسكان، وسيوفر الغذاء وفرص العمل، ويؤمن موردا ماليا مهما طالما حلم به المزارعون، وسيبقي للبلد مئات الملايين التي كانت تذهب إلى الخارج ثمنا لهذه المادة الضرورية.
وخلافا لما يروج له بعض المثبطين من ادعياء الخبرة في مجال الزراعة، فإن أرضنا البكر المعطاء،و مياهنا العذبة، وهواءنا النقي ستشكل عوامل نجاح هذا المشرع الواعد والطموح.
فمنذ فترة طويلة دأب المزارعون على زراعة أصناف عديدة من الخضروات وخلال الحملة الصيفية ولعل الكمية المنتجة الآن والموجودة في كل الأسواق الوطنية دليل ذلك وفي هذه الفترة بالذات إلا أن هذا العمل ظل خارج الضوء وبدون دعم او مواكبة من الدولة قبل هذه السنة وهذه الحملة بالذات
إن الأراضي الزراعية الممتدة عبر جميع ولايات الوطن، وخاصة في الجنوب والجنوب الشرقي ستكون قريبا مسرحا لتحقيق حلمنا بوطن عزيز لا يأكل من وراء حدوده.وقد أثبتت المنطقة الساحلية(الدلتا) جدارتها خلال السنوات الماضية قبل تعبيد الطريق وفتحها بيننا والشقيقة المغرب فكانت المغذي الرئيسي للسوق بالطماطم إضافة إلى أننا ننتج بعض الأصناف طوال السنة.(الباميا الباذنجان القرع البطيخ والشمام….)
إننا في زمن التطور العلمي هذا قادرون على التغلب على كل معوق يتعلق بالعوامل المناخية، فقد أصبح ممكنا إنتاج ثمار الصيف في الشتاء والعكس، بفضل تقنيات التهجين والتطوير وتحسين السلالات.وادخال واستعمال المبيدات ومكافحة أنواع الطفيليات التي تتأقلم وتنشط حسب المناخ كما أن وجود مصدات طبعيبة في منطقة الضفة (أشجار ،مياه)وفي مناطق الواحات وسهولة انشاء هذه المصدات عامل نجاح ولعل أكبر دليل على قابلية مناطقنا للانتاج في كل المواسم كون المناطق المحاذية لحدونا في جمهورية السنغال (منطقة الدلتا)هي خزان هذه الدولة من الخضروات خاصة منطقة “أنبور واندر “والتي تملك نفس مناخ: الزير ،وبيرل، وانجاكو، وانواكشوط وانواذيبو.
لقد شكل التدخل الأخير للوزارة والمتمثل في نقل منتوج مزارعي الخضروات وبإشراف وزير التنمية الريفية في ولايتي اترارزة ولبراكنه وبشكل مجاني والدعم بالمدخلات(بذور ،آلات زراعية مبيدات..)والتوزيع المجاني للبذور خطوة مهمة تهدف إلى تأمين نسبة معتبرة من أصناف الخضروات التى تتأقلم مع الظروف المناخية الحالية في كافة الولايات
وقريبا بحول الله سينتهي هذا الزمن الذي نضع فيه أيدينا على قلوبنا كلما ما سمعنا عن إغلاق معبر الكركارات أو غيره، إيذانا بارتفاع سعر حبة الطماطم إلى 200 أوقية.
لم يكن الأمر يتطلب سوى الإرادة السياسية التي يبدو أنها يممت وجهها شطر ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
تشكل زراعة الأرز عصب الزراعة الوطنية، وقد قطعت في هذا المجال أشواط كبيرة جعلتنا اقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق الحلم في اكتفاء ذاتي من هذا المحصول وهي مناسبة للتنويه بالتعاطي والانفتاح الذي طبع هذه المرحلة واشراك المزارعين في السياسات العامة للقطاع والتنويه كذلك بما قيم به من استسصلاح اراض استفادت وستستفيد منها عشرات الأسرة .
وفي ما يخص المكافحة فقد شكل تدخل الطائرة ومكافحة الطيور في هذه الحملة خطوة موفقة ساهمت في إبعاد شبح هذه الآفة الذي خيم مبكرا، وقد ساهم في تحييد الخطر بشكل كبير حتى اللحظة. ينضاف إلى ذلك تنقية الروافد وفك العزلة عن المناطق الزراعية وتوفير الأسمدة والمبيدات بأسعار مدعومة.
تشكل البذور المحسنة اهم عوامل الإنتاج بحيث تمثل 30%من المردودية وقد شهد هذا المجال إعادة هيكلة شعبة البذور ومواكبة وتأطير المؤسسات المنتجة الشيء الذي مكن من زراعة 922 هكتار ممن مختلف أصناف البذور خلال هذه الحملة ،وقد تعهدت الدولة باقتناء وحدة غربلة بذور ( chaîne de triage des semences بغية ضمان الجودة كما أخذت كل التوصيات بعين الاعتبار حيث كانت مؤسسات إنتاج البذور شريكا فاعلا في وضع هذه الآلية
لا تزال الزراعة المطرية موردا مهما ومصدرا وحيدا للعديد من أنواع الحبوب والبقوليات، ويعتبر البرنامج التجريبي الذي قيم به مؤخرا على مستوى السدود والمتمثل في إدخال تقنيات جديدة (بذور محسنة مبيدات اسمدة..)وانشاء وإعادة استصلاح العديد من السدود، خطوات مهمة في سبيل تنمية وإعادة الاعتبار لهذا النمط من الزراعة.
ومن نافلة القول هنا أن لا شكر على واجب وأن التعاطي الجديد مع الفاعلين والاستعداد الملموس والأبواب المشرعة من طرف الوزارة وكل إداراتها يشكل تغيرا مهما وفهما واضحا للمسؤولية الجسيمة الملقاة على عواتق هؤلاء والمتمثلة في النهوض بإحدى اهم ركائز التنمية كما أن خصوصية القطاع وأهميته تجعل ثقافة التشاور مع الفاعلين فيه أمرا ضروريا لكن اعتماد رأي اهل التخصص من مهندسين وفنيين اولى .