كائن ، فيروس صغير ، في منتهى الصغر، لا تراه العين المجردة يزعزع كوكب الارض..يفرض علينا قانونه… يقلب الكل رأسا على عقب، يزعزع الاستقرار ، يبعثر الحياة ويقضي على الثوابت وكل أمر مستقر..
* أعاد الكورونا ترتيب الأمور والأولويات في كل البلدان بطريقة أخرى ومخالفة..
* ما عجزت قوى العالم عن تحقيقه وفرضه في اليمن، و ليبيا..حققه هذا الكائن الضئيل برهة واحدة ، ودون مؤتمرات ومعاهدات تكتب على الورق فيتناثر على الواقع ( وقف إطلاق النار، تجميد..هدنة)
* ما عجز الجيش الجزائري عن الوصول إليه بكل وسائله، فرضه هذا الكائن، برهة واحدة( توقف الحراك).
* ما لم يتوصل إليه المعارضون السياسيون في دول عديدة من تأجيل الانتخابات توصل إليه هذا الكائن ( تأجيل الانتخابات)
*،ما حلمت به المصانع والشركات من رفع الضرائب ، والحصول على قروض بدون فوائد، واقتناء أموال للاستثمار، وهبوط برص المواد الأولية الاستراتيجية.. نالته اليوم عن طريق الكورونا، دون عناء ..
* ما لم تنجح السترات الصفراء والنقابات في انتزاعه في فرنسا، مكنها منه الكورونا بلا مظاهرات ( مطالب الحماية الاجتماعية.. نقص الأسعار لدى المضخات..).
* فجأة تراجع سعر المحروقات في الغرب، و قل التلوث، وبدأ الناس يكسبون الوقت حتى لم يعودوا يعرفون فيم يوظفونه .. وراح الآباء يتعرفون على أبنائهم و هؤلاء صاروا بدورهم يسكنون إلى أسرهم ويبقون في المنازل،
* لم يعد العمل أولوية ، ولم تعد الأسفار و الجلوس في المتنزهات السياحية والمطاعم والفنادق الراقية علامة على الحياة الناجحة..
* فجأة رجعنا إلى أنفسنا واسترجعنا الحكمة فأدركنا أننا جميعا، أغنياء وفقراء ، في نفس السفينة وأن علينا أن نتعاضد ونتعاون ونتدابر .. لقد قضينا على ما في الخزائن و مسحنا معا ما كان على الرفوف ..
* غصت المستشفيات وضاقت ذرعا بالمرضى من كل الأجناس والفئات والاعمار..
* أدركت البشرية أن المال لم يعد له قيمة ولا ميزة تميز أحدا، فتساوت أكتافنا و صرنا سواسية كأسنان المشط أمام الكورونا…
* رأينا بأعينا أن السيارات الفارهة، آخر الموضة، واقفة في الشوارع أو في المنازل ، فلا أحد ينظر إليها ..لا أحد يريد الخروج..
* رجع المهاجرون والمسافرون والمقيمون إلى أوطانهم لتحتضنهم راضية وراضين
* أياما قليلة ، كانت كافية ليتحقق العدل والمساواة ، وكنا لا نتخيل مجرد التخيل، أنه بالإمكان تحقيقهما في عالمنا اليوم..
* تمدد الخوف وخيم على الجميع..بل تحول الخوف وانتقل من مكانه القديم إلى مكان كان يظن أهله أنهم في أمان ومنعة وقوة قاهرة..إنه تحول من الفقراء إلى الأغنياء كي لا ينسوا أنهم بشر فانون.. و ليوقظ إنسانيتهم التي تخلوا عنها في خضم عالم المكابرة والتعالي.. عالم ظن أهله أنه بغزوهم الفضاء أن لهم قابلية التحول للعيش على كوكب آخر يخلدون فيه ولا يفنون..
* أياما قليلة، كانت كافية لإظهار قدرة ربنا سبحانه و عجز الإنسان وفنائه..
* أياما قليلة كانت كافية ليتحول اليقين إلى شك، والقوة إلى ضعف والسلطة إلى تعاون و تفاهم و تعاضد.. لتصبح السلطة للجميع والمسؤولية بين الجميع..
* أياما قليلة كافية، ليصير العالم المنسي ، كالعالم الإفريقي، أكثر ثقة في نفسه..
*أياما قليلة كانت كافية لتتحول الأحلام إلى أماني وأكاذيب..كانت كافية ليرى البشر حقيتهم، أنهم من تراب ورمل وحصى تذروه الرياح و تعصف به العواصف..
من نحن؟ وما ذا نريد؟ وما ذا بمقدورها أن نعمله ؟ (إزاء هذه الكارثة والبلاء المبين)؟
أسئلة طرحها الفيلسوف الألماني كانط منذ ما يزيد على قرن.. و في سياقات اليوم تتنزل تلك الأسئلة في إنسانيتنا نحن أبناء العولمة وبالتالي، ما ذا بمقدورنا أن نعمله إزاء وباء الكورونا. وما بعد الكورونا ؟ !!!
الآن، لنبق على مستوانا هنا، في عالمنا الخاص: ما ذا نحن فاعلون إزاء هذا الوباء .. و ما هي الدروس التي بالإمكان استخلاصها لمواجهة أية ظروف مشابهة.. وهل نحن في مستوى مجتمع بإمكانه أن يواجه؟..وهل نملك دولة لها قدرة ما على التصدي والتصور وتقديم الحلول؟..
نريد أن نعيش..